سورة النازعات - تفسير تفسير الثعالبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النازعات)


        


قوله عز وجل: {والنازعات غرقاً والناشطات نشطاً والسابحات سبحاً فالسابقات سبقاً} اختلفت عبارات المفسرين في هذه الكلمات هل هي صفات لشيء واحد أو لأشياء مختلفة على أوجه واتفقوا على أن المراد بقوله: {فالمدبرات أمراً} وصف لشيء واحد وهم الملائكة:
الوجه الأول: في قوله تعالى: {والنازعات غرقاً} يعني الملائكة تنزع أرواح الكفار من أقاصي أجسامهم. كما يغرق النازع في القوس فيبلغ بها غاية المد، والغرق من الإغراق أي، والنازعات إغراقاً وقال ابن مسعود: «إن ملك الموت، وأعوانه ينزعون روح الكافر كما ينزع السفود الكثير الشعب من الصوف المبتل، فتخرج نفس الكافر كالغريق في الماء» {والناشطات نشطاً} الملائكة تنشط نفس المؤمن أي تسلها سلاًّ رفيقاً فتقبضها كما ينشط العقال من يد البعير، وإنما خص النزع بنفس الكافر والنشط بنفس المؤمن، لأن بينهما فرقاً فالنزع جذب بشدة والنشط جذب برفق، {والسابحات سبحاً} يعني الملائكة يقبضون أرواح المؤمنين يسلونها سلاً رفيقاً، ثم يدعونها حتى تستريح، ثم يستخرجونها كالسابح في الماء يتحرك فيه برفق ولطافة، وقيل هم الملائكة ينزلون من السماء مسرعين كالفرس الجواد إذا أسرع في جريه. يقال له سابح {فالسابقات سبقاً} يعني الملائكة سبقت ابن آدم بالخير والعمل الصالح، وقيل هم الملائكة تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة.
الوجه الثاني: في قوله: {والنازعات غرقاً} يعني النفس حين تنزع من الجسد، فتغرق في الصدر ثم تخرج {والناشطات نشطاً}، قال ابن عباس: هي نفوس المؤمنين تنشط للخروج عند الموت لما ترى من الكرامة، وذلك لأنه يعرض عليه مقعده في الجنة قبل أن يموت وقال علي بن أبي طالب: هي أرواح الكفار تنشط بين الجلد، والأظفار حتى تخرج من أفواههم بالكرب والغم.


{والسابحات سبحاً} يعني أرواح المؤمنين حين تسبح في الملكوت {فالسابقات سبقاً} يعني استباقها إلى الحضرة المقدسة.
الوجه الثالث: في قوله تعالى: {والنّازعات غرقاً} يعني النجوم تنزع من أفق إلى أفق تطلع ثم تغيب {والناشطات نشطاً} يعني النجوم تنشط من أفق إلى أفق، أي تذهب {والسابحات سبحاً}، يعني النجوم والشمس والقمر يسبحون في الفلك. {فالسابقات سبقاً} يعني النجوم يسبق بعضها بعضاً في السير.
الوجه الرابع: في قوله تعالى: {والنّازعات غرقاً} يعني خيل الغزاة تنزع في أعنتها وتغرق في عرقها وهي الناشطات نشطاً لأنها تخرج بسرعة إلى ميدانها، وهي السابحات في جريها، وهي السابقات سبقاً لاستباقها إلى الغاية.
الوجه الخامس: في قوله: {والنازعات غرقاً} يعني الغزاة حين تنزع قسيها في الرمي فتبلغ غاية المد وهو قوله غرقاً، {والنّاشطات نشطاً} أي السّهام في الرمي {والسّابحات سبحاً فالسّابقات سبقاً} يعني الخيل والإبل حين يخرجها أصحابها إلى الغزو.
الوجه السادس: ليس المراد بهذه الكلمات شيئاً واحداً، فقوله والنازعات يعني ملك الموت ينزع النفوس غرقاً حتى بلغ بها الغاية، {والناشطات نشطاً} يعني النفس تنشط من القدمين بمعنى تجذب، {والسابحات سبحاً} يعني السفن، {والسابقات سبقاً} يعني مسابقة نفوس المؤمنين إلى الخيرات والطاعات.
أما قوله: {فالمدبرات أمراً}، فأجمعوا على أنهم الملائكة قال ابن عباس: هم الملائكة وكلوا بأمور عرفهم الله عز وجل: العمل بها وقال عبد الرّحمن بن سابط يدبر الأمر في الدنيا أربعة أملاك جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت، واسمه عزرائيل، فأما جبريل فموكل بالرّياح والجنود، وأما ميكائيل فموكل بالقطر والنّبات، وأما ملك الموت فموكل بقبض الأنفس، وأما إسرافيل فهو ينزل عليهم بالأمر من الله تعالى أقسم الله بهذه الأشياء لشرفها، ولله أن يقسم بما يشاء من خلقه، أو يكون التقدير، ورب هذه الأشياء، وجواب القسم محذوف تقديره لتبعثن، ولتحاسبن، وقيل جوابه {إن في ذلك لعبرة لمن يخشى}


{قلوب يومئذ واجفة} {يوم ترجف الراجفة} يعني النفخة الأولى يتزلزل ويتحرك لها كل شيء، ويموت منها جميع الخلق {تتبعها الرادفة} يعني النفخة الثانية ردفت الأولى وبينهما أربعون سنة، وقال قتادة: هما صيحتان فالأولى تميت كل شيء، والأخرى تحيي كل شيء بإذن الله عز وجلّ وقيل الرّاجفة التي تزلزل الأرض، والجبال والرادفة التي تشق السماء، وقيل الراجفة القيامة والرّادفة البعث يوم القيامة روى البغوي بسند الثعلبي عن أبي بن كعب قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ربع اللّيل قام وقال: أيّها الناس اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه».
قوله عز وجل: {قلوب يومئذ واجفة} أي خافقة قلقة مضطربة، وقيل وجله زائلة عن أماكنها {أبصارها خاشعة} أي أبصار أهلها خاشعة ذليلة، والمراد بها الكفار بدليل قوله تعالى: {يقولون} يعني المنكرين للبعث إذا قيل لهم إنكم مبعوثون بعد الموت. {أئنا لمردودون في الحافرة} يعني أنرد إلى أول الحال، وابتداء الأمر فنصير أحياء بعد الموت كما كنا أول مرة والعرب تقول رجع فلان في حافرته، أي رجع من حيث جاء فالحافرة عنده اسم لابتداء الشيء وأول الشيء ويقال رجع فلان في حافرته أي في طريقه الذي جاء منه يحفره بمشيئته، فحصل بأثر قدميه حفر فهي محفورة في الحقيقة، وقيل الحافرة الأرض التي تحفر فيها قبورهم سميت حافرة لأنها يستقر عليها الحافر، والمعنى أئنا لمردودون إلى الأرض فنبعث خلقاً جديداً نمشي عليها، وقيل الحافرة النار {أئذا كنا عظاماً نخرة} أي بالية وقرئ ناخرة وهما بمعنى، وقيل الناخرة المجوفة التي يمر فيها الريح فتنخر أي توصت {قالوا} يعني المنكرين للبعث إذا عاينوا أهوال القيامة {تلك إذاً كرة خاسرة} أي رجعة غابنة يعني إن رددنا بعد الموت لنخسرن بما يصيبنا بعد الموت. {فإنما هي} يعني النفخة الأخيرة {زجرة واحدة} أي صيحة واحدة يجمعون بها جميعاً {فإذا هم بالساهرة} يعني وجه الأرض سميت ساهرة لأن عليها نوم الحيوان وسهرهم، وقيل هي التي كثر الوطء عليها كأنها سهرت، والمعنى أنهم كانوا في بطن الأرض. فلما سمعوا الصيحة صاروا على وجهها، وقيل هي أرض الشام وقيل أرض القيامة، وقيل هي أرض جهنم.

1 | 2